المادة    
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[ولما كان بيت إبراهيم عليه السلام أشرف بيوت العالم على الإطلاق، خصهم الله بخصائص:
منها: أنه جعل فيه النبوة والكتاب، فلم يأت بعد إبراهيم نبي إلا من أهل بيته.
ومنها: أنه سبحانه جعلهم أئمة يهدون بأمره إلى يوم القيامة، فكل من دخل الجنة من أولياء الله بعدهم، فإنما دخل من طريقهم وبدعوتهم، ومنها: أنه سبحانه اتخذ منهم الخليلين، كما تقدم ذكره.
ومنها: أنه جعل صاحب هذا البيت إماماً للناس، قال تعالى: ((إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ))[البقرة:124].
ومنها: أنه أجرى على يديه بناء بيته الذي جعله قياماً للناس، ومثابة للناس وأمناً، وجعله قبلة لهم وحجاً، فكان ظهور هذا البيت من أهل هذا البيت الأكرمين.
ومنها: أنه أمر عباده أن يصلوا على أهل هذا البيت، إلى غير ذلك من الخصائص
] اهـ
كل الأمم تعظم إبراهيم عليه السلام، من أصحاب الكتب المنزلة، ومن الأمم التي سمعت عن هذا الرجل العظيم، فكل أمة تدعيه وتنتسب إليه، فهناك إجماع عالمي على أن هذا الرجل شريف جليل القدر، وأن ذريته هم أشرف بيت وأجل ذرية، وقد خصهم الله بخصائص كثيرة ذكر الشارح بعضها:
قال: "منها: أنه جعل فيه النبوة والكتاب" أي: أن الله جعل في هذا البيت النبوة والكتاب، وهذه أعظم ميزة، فليس هناك بيت يشارك هذا البيت العظيم الشريف في النبوة والكتاب، والنبوة والكتاب هما أشرف ما يكرم الله به أحداً من البشر، أو بيتاً من بيوت البشر.
وقد دل الكتاب العزيز على اختصاص إبراهيم بذلك، قال الله تعالى: ((وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنِ الصَّالِحِينَ))[العنكبوت:27] فجعل الله هذا الجزاء لعبده وخليله إبراهيم عليه السلام كما في سورة العنكبوت، وذكر الله له ذلك في سورة الحديد مقترناً بنوح عليه السلام، فقال: ((وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ))[الحديد:26]، وهذا لا إشكال فيه؛ لأن نوحاً عليه السلام هو الأب الثاني للإنسانية، قال تعالى: ((وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ))[الصافات:77]، فكل من جاء بعد نوح فإنه ينسب إليه، ومنهم إبراهيم، فهو من ذريته عليه السلام، ولذلك فكل الأنبياء هم من ذرية هذين الرجلين، لكن الأخص بهذا الوصف هو إبراهيم عليه السلام، كما بيَّن الله ذلك في آية العنكبوت: ((وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ))[العنكبوت:27] أي: في ذرية إبراهيم، والعالم قد تشعب، وقد تفرقت ذرية نوح في الأرض، فالدنيا فيها روم وصين وهند، وأجناس أخرى غير ذلك، ومع ذلك فإن النبوة باقية في ذرية إبراهيم عليه السلام.
والأصل في ذرية إبراهيم ابناه إسماعيل وإسحاق، ومن ذرية إسماعيل كانت العرب، ومن ذرية إسحاق كان بنو إسرائيل؛ لأن الله قال في بشارة زوج إبراهيم سارة: ((فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ))[هود:71]، ويعقوب هذا هو إسرائيل، الذي كانت النبوة في ذريته، وكما هو معلوم أن أبناء يعقوب عليه السلام كانوا اثني عشر كما في سورة يوسف: ((إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا ))[يوسف:4] فيوسف وإخوته الأحد عشر هم الأسباط، فلما ولى الله يوسف على مصر ومنّ عليه، وأصبح عزيزاً في مصر، واستدعى أهله من البدو، أقاموا في مصر وسكنوا بها وتكاثروا، حتى مرت الأيام، واضطهدهم الفراعنة الأقباط الذين كان ملكهم فرعون.
وهنا فائدة: وهي أن كل من ملك مصر من الكفار فهو فرعون، ففرعون ليس علماً على شخص معين، إنما هو لقب لمن يملك مصر، كما يقال: النجاشي لمن ملك الحبشة، أو النمرود لمن ملك بابل، أو آشور، وقيصر لملك الروم، وكسرى لملك الفرس، فالأقباط اضطهدوا بني إسرائيل حتى بعث الله فيهم موسى عليه السلام ليخرجهم من الذل والاستعباد، كما قال تعالى على لسان موسى: ((وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ))[الشعراء:22] أي: هل هذا مما يُمتن به يا فرعون؛ بأن جعلت بني إسرائيل عبيداً، وجعلت الناس طوائف وطبقات، فالطبقة العليا (الأقباط) تستضعف الطبقة السفلى (بني إسرائيل).
ثم خرج بهم موسى عليه السلام إلى سيناء، وكان التيه في الصحراء، ثم قبض الله موسى إليه، وقد كان موسى أشهر وأفضل أنبياء بني إسرائيل، ثم جاء بعد ذلك يوشع الذي فتح بيت المقدس، وسكن بنو إسرائيل تلك الأرض، ثم حدثت الأحداث الكبيرة إلى أن أتى داود عليه السلام، ثم جاء من بعده سليمان، وحصل ما حصل في بني إسرائيل، وانتهى أمرهم على يد الفرس، ثم بعث الله نبيه زكريا، وبعده يحيى وهو الأشهر؛ لأنه ولد في عهد المسيح بن مريم عليه السلام، ثم لما جاء عيسى كان هو آخر أنبياء بني إسرائيل، وبشر بمحمد صلى الله عليه وسلم.
  1. أفضلية بني إسماعيل على غيرهم

  2. تناقض النصارى في نسب عيسى عليه السلام